
كتب:daraweesh
بقلم ا. محمود السعدني …. أخر ايام الساحر رضا .. في ماتش الزمالك و الاسماعيلي ..ودع رأفت الملاعب .. و ودع رضا الحياة
يوم الجمعة الحزين …يوم مباراة الزمالك و الاسماعيلي .. رفع رأفت كابتن الزمالك يده يودع الجماهير و ملاعب الكورة ,, و رفع رضا كابتن الاسماعيلي يده يودع الجماهير و يودع الحياة
خرج رضا في الليل من باب الزمالك .. لم يلبث ان خرج في الليل من باب الحياة
رحم الله شبابه ,, لو عاش ..لجدد شباب الكورة الف عام
الاسماعيلية كلها في ذهول ..إبنها البكر الحليوة خطفه الموت غيلة في ساعة نحس اسود من زفت الطريق الذي مات عليه
قبل الموت بدقائق كان الولد الحليوة المعجباني ممتلأ شبابا و صحة و املا و نهما للحياة ..كان يرتدي قميص اصفر مخطط إشتراه من بيروت و بنطلون طحيني سولكا إشتراه من عمان و حول معصمه ساعة زودياك اهداها له عثمان احمد عثمان و في جيب بنطلونه عشرة جنيهات صحيحة و خمسة قروش فكة .. و أجنده بها بعض الاسماء و أرقام التليفونات و العناوين
و علي يمين رضا في السيارة المشئومة ضابط بطل شاب هو إيهاب علوي ابن القبطان علوي بهيئة قناة السويس و اأحد دراويش رضا و متفرج مدمن علي مباريات النادي الاسماعيلي
و قبل قرية زبيدة بعشرة كيلومترات و العربية التاونس الفاخرة تجري علي سرعة 80 كيلو في الساعة و الجو حار و نسمة هواء جافة تهب من ناحية الحقول القريبة .. دار بين رضا و ايهاب ,, حوار عجيب و غريب و خاطف كحياة الفنان رضا *
قال ايهاب يسأل رضا
– حتعملوا إيه في ماتش الاتحاد
– في جيبي
– بس دا الاتحاد مستعد قوي السنة دي
– و لا يهمك ..احنا كمان مستعدين قوي , ثم ما تنساش كمان النحس بتاعنا إتفك مع الاتحاد .. و كان زمان بيغلبنا لكن احنا بقالنا سنتين بنغلبه علي ارضه
– لكن دا غلبكم في اخر ماتش في الدوري السنة اللي فاتت
– علشان نفسنا كانت مكسورة بعد ماتش الزمالك
– يعني انت مطمئن
– مفيش كلام , انا مطمئن جدا السنة دي و أقدر اقولك الدوري في جيبي
………….
فجأة … ظهرت علي الطريق الزراعي سيارة لوري لها صندوق مقفول كانها نعش ميت !! و اندفع رضا خلف السيارة و اقترب منها و ضغط علي الكلاكس يطلب من السائق ان يفسح له الطريق .. و لكن السائق مضي في طريقه و كأنه قطار سكة حديد لا ينحرف و لا ينزاح عن الطريق .. عندئذ نفد صبر رضا و كان شديد القلق و سريع الغضب .. فأنحرف الي يمين الطريق و داس علي البنزين و تأهب للإنطلاق ….. و لكن لسبب لا يعرفه احد إنحرف السائق فجأة الي يمين الطريق ليفسح لرضا الطريق من ناحية اليسار .. و فوجئ رضا بسيارة اللوري تسد الطريق عليه فداس علي الفرامل و بشدة .. و لكن السيارة لم تحتمل الفرملة فطارت في الهواء و انقلبت السيارة مرة و مرتين و ثلاث ..ثم إستقرت علي جانب الطريق …… و فيها راكب واحد هو الضابط علوي ….. اما الراكب الاخر رضا فقد طار في نفس اللحظة التي طارت فيها السيارة و سقط من ارتفاع خمسة امتار علي رأسه فوق الطريق الصلب .. فتحطت عظام الرقبة و انكسرت عظام جمجمته و أستقر علي الطريق الزراعي لا يتحرك و لا يختلج
خيط رفيع جدا من الدم ينزف من فمه ليصنع نهرا صغيرا و بحيرة دماء في اتساع عجلة القيادة … في هذه اللحظة الذات و كانت الساعة العاشرة و 22 دقيقة علي وجه التحديد ..انتقل رضا الي رحمة الله
و بعد ساعتين و نصف تماما من وفاته ,,كان محافظ الاسماعيلية محمد حسن عبد اللطيف مجتمعا في مكتبه بالمحافظة يرتب شئون مؤتمر الشباب و كان عبد الحميد عزت سكرتير النادي في القاهرة يعاني من نوبة إسهال و كان لعيبة الاسماعيلي يتدربون إستعدادا لمباراة إتحاد اسكندرية
كلهم كانوا في النادي فيما عدا العربي فقد كان في دمياط يستأنف حكما صادرا ضده بالحبس لمدة شهر , بتهمة إلاعتداء علي متفرج يوم الاسماعيلي مع دمياط
و فجاة رن جرس التليفون في مكتب محافظ الاسماعيلية و طلب المتحدث الاتصال بالمحافظ شخصيا ليتحدث معه … و قال سكرتير المحافظ ان المحافظ مشغول و لا يستطيع الان أن يتحدث مع احد .. و لكن الصوت عاد يقول انا وجيه اباظة محافظ دمنهور و اريد الاتصال بالمحافظ لأمر هام
و نهض محمد حسن عبد اللطيف و استاذن ليتحدث مع وجيه و قال محمد حسن عبد اللطيف علي الفور: ازيك يا وجيه .انت مابتكلمنيش غير مرة كل سنة و الا ايه
و رد وجيه في صوت مخنوق : البقية في حياتك ..رضا مات
و امتقع وجه محمد حسن عبد اللطيف و انهار فجلس علي اقرب مقعد و لو ان الذي يتحدث معه شخصا غير وجيه اباظة لظن الامر نكتة سمجة و لكن الامر الان يختلف و لابد ان رضا مات فعلا
و لكن كيف يموت شاب في عمر الزهور ؟ .. و لماذا يحدث في دمنهور بالذات ؟
و أدرك وجيه اباظة و هو علي الناحية الاخري من الخط ان محافظ الاسماعيلية لا يستطيع الكلام .. و إستأنف قائلا : رضا مات في حادثة دلوقتي و انا عملت اللازم كله و هأبعت الجثة دلوقت علي الاسماعيلية و البقية في حياتكم
و انتهت المكالمة بين الاسماعيلية و دمنهور
و جلس حسن عبد اللطيف لحظات صامتا لايتكلم ورغما عنه فرت من عينه دمعة و لكن سرعان ما تمالك نفسه و طلب إستدعاء اعضاء مجلس ادارة الاسماعيلي فورا .. و فعلا حضر علي صقر و حضر الدكتور شوقي و عبد العزيز عبد الوهاب و علي الزبير و عندما أبلغهم المحافظ بالنبأ … بكوا جميعا
و طلب المحافظ منهم ان يقوموا بابلاغ اسرة رضا بالنبأ و لكنهم رفضوا جميعا ..حتي سكرتيرالمحافظ رفض و لم يجد المحافظ بدا من الاتصال بأسرة رضا بنفسه
رفع سماعة التليفون و اتصل بالاستاذ عبد الرحمن مرسي المحامي شقيق رضا.. و ابلغه بالنبأ و طلب منه تجهيز المدفن فورا لان جثة رضا في طريقها الان الي الاسماعيلية
بعد خمسة دقائق من المكالمة إنطلقت صرخة من البيت رقم 115 شارع الجمهورية * ( التحرير) بالاسماعيلية حيث يسكن رضا ..عمرها 18 سنة و تتأهب للزواج في شهر نوفمبر القادم
و بدا الخبر يتسرب الي المدينة و بدأ الناس يفدون الي بيت رضا و الي مكتب المحافظ .. بعد ساعة كانت كل منازل الاسماعيلية تصرخ الا بيت رضا … فقد أغمي علي سميرة و لم تعد تستطيع ان تصرخ و أصبح شارع الجمهورية كبيت النمل و لم تلبث ان ضاقت الشوارع المحيطة بالبيت بالناس
و لم تلبث الاسماعيلية أن خرجت كلها تلطم و نصرخ و نبكي حتي كأنه يوم القيامة قد حل دون سابق انذار
ثم خرجت ايضا كل القري التي علي طريق الجثة و احتلت الشوارع , خرجت نفيشة و ابو صوير و القصاصين و التل الكبير و اصبح الطريق من العباسية الي الاسماعيلية طريقا مسدودا و عشرات الالوف علي الجانبين في إنتظار سيارة الاسعاف القادمة من دمنهور !!!
و في هذه اللحظة كان كمال مرسي شقيق رضا الاكبر في القاهرة و اتصل به الدكتور شوقي سكرتير النادي الاسماعيلي و طبي منه ان يحضر فورا الي الاسماعيلية و قال الدكتور كمال للدكتور شوفي
– ليه ؟ خير.. حصل حاجة؟
– لا ابدا سميرة عيانة
– طيب ما تجيبوا لها دكتور
– عملنا اللازم كله .. بس انت لازم تحضر قبل الساعة 6
– ليه هيه ماتت
– لا .. بس لازم تحضر قبل الساعة 6
هنا ادرك كمال ان سميرة ماتت , فخطف شنطة صغيرة في يده واتجه الي موقف اتوبيسات الاسماعيلية و كان النبأ المشئوم قد اذيع في الاذاعة و نشرته جريدة المساء و انتشر في مصر كالصاعقة و شاهد احد الناس كمال مرسي واقفا عند محطة الاتوبيس .. فاتجه اليه و شد علي يده و قال في صوت مخنوق
-البقية في حياتك وادرك كمال ان سميرة ماتت فعلا فقال : الف شكر
وقال الرجل الغريب : رضا ما يتعوضشي .. الله يرحمه
و قال كمال : دامش رضا اللي مات ..دا سميرة اختي
و قال الرجل الغريب و هو يبكي : يا ميت خسارة عليك يا رضا
و نشر جريدة المساء امام عيني كمال و فيها الخبر المشئوم … و قرأ كمال الخبر و لم يتمه .. سقط مكانه علي الارض في اغماءة طويلة و لم يفق منها الا في الاسماعيلية .. فقد حمله بعض الناس في سيارة تاكسي وسافروا معه الي هناك
تابع مع الجزء الثاني
